يشترط
لقبول الدعوى القضائية أن تكون هناك مصلحة يسعى إليها المدعى من جراء تقدمه بالطلب
القضائي فإذا عُرض الطلب على القاضي فإن هذا القاضي يبحث مسألتين الأولى هي: هل
الطلب مقبول؟ و المسألة الثانية: هل الطلب مؤسس تأسيساً صحيحاً أي يتضمن من الأدلة
و المستندات ما يؤدي إلى الحكم للطالب بما طلبه؟ و من الطبيعي ان بحث مسألة القبول
يسبق بحث مسألة الحكم في موضوع الطلب. فإذا كان الطلب غير مقبول لعدم استيفاء شروط
القبول (التي سنذكرها في مقالات لاحقة ولكن أهم هذه الشروط هي المصلحة) فإن القاضي
يعلن عدم قبول الطلب.
و
إذا توافرت شروط القبول انتقل القاضي إلى بحث مسألة وجود الحق الموضوعي أو عدم وجوده،
و يكون حكم القاضي في الموضوع حكماً قطعياً له حجية و يستنفد القاضي سلطته
بإصداره.
و
حيث ان شرط المصلحة هو أحد الشروط الجوهرية لقبول الدعوى فإننا لا نجد محيصاً إلا
ان نتطرق له ونتناوله بالتفصيل على النحو الآتي بيانه:
تعريف
المصلحة و ضرورة استمرارها:
تنزيهاً
لساحات القضاء عن العبث، و توفيراً لوقت وجهد القضاء، و سداً لباب الدعاوى الكيدية
نص المشرع المصري في المادة الثالثة من قانون المرافعات المدنية و التجارية على:
"
لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استنادا لأحكام هذا القانون أو أي
قانون آخر، لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون. (١)
ومع
ذلك تكفى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو
الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.
وتقضى
المحكمة من تلقاء نفسها، في أي حالة تكون عليها الدعوى، بعدم القبول في حالة عدم
توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين.
ويجوز
للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أن تحكم على المدعى
بغرامة إجرائية لا تزيد عن خمسمائة جنيه إذا تبينت أن المدعى قد أساء استعمال حقه في
التقاضي."
كما
نصت المادة الثانية من قانون المرافعات المدنية و التجارية الكويتي على :
"
لا يقبل أي طلب او دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون ، ومع ذلك
تكفي المصلحة المحتملة اذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق او
الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه."
و
لا يعدو النص أن يكون تقنيناً لما أستقر عليه الفقه و القضاء من أنه لا دعوى بغير
مصلحة و أن المصلحة هي مناط الدعوى. و المصلحة في رأي بعض الفقهاء هي الفائدة
العملية التي تعود على رافع الدعوى من الحكم له بطلباته كلها أو بعضها، فهي الضابط
لضمان جدية الدعوى و عدم خروجها عن الغاية التي رسمها القانون لها.
و
لا مراء من ان القضاء سلطة من سلطات الدولة لا يباشر وظيفته في الحماية القضائية
إلا إذا كانت هناك حاجة إلى هذه الحماية، وهو ليس داراً للإفتاء و لا مجالاً
للمجادلات النظرية البحتة فيجب أن تكون
هناك فائدة عملية من وراء رفع الدعوى إلى القضاء.
و
المصلحة ليست شرطاً لقبول الدعوى فحسب، و إنما هي شرط لقبول أي طلب أو دفع أو طعن
في حكم، فلا يجوز رفع
دعوى ببطلان وصية إذا رفعها غير وارث لعدم توافر المصلحة ، كما ان دعوى بطلان
العقد لصوريته لا يصح لقبولها وجود مصلحة نظرية بحتة، فلا تقبل إلا ممن له مصلحة
قائمة وحالة فيها بحيث تعود عليه فائدة عملية من الحكم له بطلبه.
و
تجدر الإشارة إلى أن العبرة في توافر المصلحة هي بوقت نظر الدعوى و الفصل فيها دون
اعتداد بتاريخ إقامتها. فالمصلحة إذا
توافرت لدى المدعي وقت إقامة الدعوى ثم زالت عن نظرها و الفصل فيها، فلا تكون
الدعوى مقبولة فالمصلحة شرط مستمر يجب أن يظل قائماً إلى وقت الفصل في الدعوى تمشياً
مع وظيفة القضاء و الهدف منه الذي هو منح الحماية القانونية لمن هم في حاجة إليها وقت
صدور الحكم بها و على عكس ذلك إذا لم تكن للمدعي مصلحة وقت إقامة الدعوى ثم توافرت
له وقت نظرها فإن الدعوى تكون مقبولة و تفصل فيها المحكمة كأن يقيم الغير إشكالاً
في التنفيذ قبل ان يبدأ ثم يكون الحجز قد وقع فعلاً على أمواله أثناء نظر الإشكال .
و
تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية:
"
النص في المادة الثالثة من قانون المرافعات – المُعدلة بالقانون رقم ٨١ لسنة ١٩٩٦
– على أنه " لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استنادًا لأحكام هذا
القانون أو أي قانون أخر، لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها
القانون، ومع ذلك تكفى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب
الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحقٍ يخشى زوال دليله عند النزاع فيه، وتقضى
المحكمة من تلقاء نفسها في أي حالة تكون عليها الدعوى بعدم القبول في حالة
عدم توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين " وكان مفاد
هذا النص ودلالة عباراته الصريحة أن المشرع جعل
من توافر المصلحة بخصائصها المقررة في فقه القانون – الصفة - سواءً
كانت حالَّةً أو مُحتملةً ليس شرطًا لقبول الدعوى عند بدء الخصومة القضائية فحسب
بل في جميع مراحلها حتى الفصل فيها أي أنه شــــرطُ بقاءٍ لا شرطُ ابتداءٍ فقــــط
، كما اعتبر قيامها بالمفهوم السابق من المسائل المتعلقة بالنظام العام يجوز
إثارتها في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضى بها المحكمة من تلقاء نفسها، فألحق
بذلك المشرع الدفع بعدم القبول لانتفاء المصلحة – والصفة -
بالدفوع الموضوعية تسرى عليه سائر أحكامها، وحسم خلافًا في الفقه والقضاء حول أثر
زوالها بعد رفع الدعوى وما إذا كان ذلك الدفع يتعلق بالنظام العام، مما مقتضاه أنه
يتعين على المحكمة عند نظر الدعوى أو الطعن أن تبحث بغير طلبٍ من
الخصوم توافر الصفة والمصلحة بمفهومها القانوني، فإذا تحقق لديها
انعدامها أو زوالها وجب عليها أن تقضى بعدم قبول الدعوى أو الطعن ولو توافرت
وقت رفع الدعوى أو الطعن أو عند صدور الحكم المطعون فيه، باعتبار أن القضاء شرع
للفصل في الخصومات ذات النتائج المرجوة ولا محل لتعطيله بالفصل في خصومة عديمة
الجدوى لا تعود على رافعها فائدةٌ من الحكم فيها."
(طعن
بالنقض رقم 1416 لسنة 90ق تجاري -جلسة 16/6/2021 )
كما
انه من المقرر في قضاء محكمة التمييز الكويتية:
"عملا بالمادة الثانية من قانون
المرافعات المدنية والتجارية فإن المصلحة هي شرط لقبول الدعوى أو الطلب أو الدفع
وأن المصلحة التي يعتد بها هي المصلحة
القانونية التي تستند إلي حق أو مركز قانون فيكون الغرض من الدعوى أو الطلب أو
الدفع حماية هذا الحق بتقريره عن النزاع فيه أو دفع العدوان عليه أو تعويض ما لحق به من ضرر من جراء ذلك، وتقدير
توافر أو عدم توافر المصلحة بهذا المعنى هي من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي
الموضوع بغير معقب متى أقام قضاءه علي أسباب سائغة."
(طعن
بالتمييز رقم 45 لسنة 1987 تجاري – جلسة 12/7/1987)
الشروط
التي يلزم توافرها في المصلحة:
لا
يكفي لقبول الدعوى توافر المصلحة بشكل عام و انما يجب ان تتوافر في تلك المصلحة أوصاف
و خصائص معينة تجعلها جديرة بالاعتبار لذلك يشترط في المصلحة ثلاثة شروط و هي أن
تكون مصلحة قانونية، و قائمة وحالة، و شخصية ومباشرة (الصفة).
1
– المصلحة القانونية و تحديد مدلولها عن طريق الاستبعاد.
ينبغي
أن تكون المصلحة قانونية أي تستند الدعوى إلى حق أو مركز قانوني فيكون الغرض منها
المطالبة بهذا الحق أو رد الاعتداء عليه أو المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصاب الحق.
ولا يعني هذا انه يشترط لقبول الدعوى وجود الحق الموضوعي للمدعي، و يتحقق القاضي
من توافر هذا الشرط بتطبيق القواعد العامة للقانون دون أن يفصل في وقائع الدعوى.
و المصلحة القانونية قد تكون مصلحة مادية وهي
التي تحمي المنفعة المادية لرافع الدعوى كدعوى المطالبة بالدين، أو الدعوى على من
اغتصب العقار من حائزه.
و قد تكون المصلحة القانونية أدبية و هي التي
تحمي حقاً أدبياً لرافع الدعوى كدعوى التعويض عن السب و القذف ، و دعوى التعويض من
الوارث عن الألم النفسي من جراء قتل المورث)
و يتحدد مدلول المصلحة القانونية باستبعاد
المصلحة المادية البحتة مثل مطالبة أحد التجار بتعويض عن قتل عميل من عملائه كان
يتكسب منه كثيراً، و تعد المصلحة الأدبية البحتة مصلحة غير قانونية أيضاً و من ثم
لا تقبل دعوى من فتاة على خطيبها تطالبه فيها بالزواج منها.
كذلك
لا تقبل الدعوى إذا كان المدعي يطلب بها تحقيق مصلحة غير مشروعة فالقانون لا يحمي
المصالح غير المشروعة أي المخالفة للنظام العام و الآداب العامة مثل المطالبة بدين
نتج عن لعب القمار أو المطالبة بتنفيذ صفقة مخدرات.
لذلك
قضت محكمة النقض المصرية:
"أن
هدف كل القواعد القانونية هو حماية المصالح المشروعة سواء كانت هذه
المصالح عامة أو فردية فإن مؤدى ذلك أن كل ما لا يحقق مصلحة قائمة يقرها القانون
يكون غير جدير بالحماية القضائية، وبات من المستقر عليه أنه يشترط لصحة أي قرار
إداري أو عقد أو التزام إداري أن يكون له سبباً مشروعاً وأن يستهدف تحقيق غاية
مشروعة."
(طعن
رقم 1646 لسنة 80 ق مدني – جلسة 22/3/2021)
2
– ضرورة أن تكون المصلحة قائمة و حالة.
على
نحو ما مر بيانه من نصوص مواد قانون المرافعات المدنية و التجارية في جمهورية مصر
العربية و دولة الكويت يتضح لنا انه يشترط في المصلحة ان تكون قائمة فلا يكفي أن
يكون هناك حق أو مركز يحميه القانون، و إنما ينبغي كذلك لقبول الدعوى أن يكون هناك
اعتداء قد وقع فعلاً على هذا الحق أو المركز القانوني، مما يحرم المدعي صاحب الحق
من المنافع التي يحصل عليها من هذا الحق أو المركز. مما يوجب تدخل القضاء لحمايته
بتطبيق جزاء القاعدة القانونية. فالدعوى باعتبارها وسيلة تحقيق الحماية القضائية
لا تنشأ إلا حيث توجد الحاجة لهذه الحماية لرد الاعتداء.
معنى
ذلك انه يجب وقوع اعتداء على الحق أو المركز القانوني، أي أن يقع الضرر بالفعل،
بأن ينازع أحد الأشخاص المدعي في حقه أو مركزه القانوني فتظهر الحاجة إلى الالتجاء
للقضاء للفصل في هذا النزاع، أي لرد هذا الاعتداء و لدفع ذلك الضرر الذي أصاب
المدعي. فالدعاوى انما هي علاجية أي ترفع لعلاج ضرر أو لدفع ضرر أصاب المدعي
فعلاً.
3
– جواز قبول بعض الدعاوى استناداً إلى ما يسمى بالمصلحة المحتملة.
أجاز
القانون قبول الدعوى في حالات معينة تبدو المصلحة فيها غير قائمة و حالة و هي ما
تسمى بالدعوى الوقائية.
و
هذه الدعوى يطلب فيها المدعي من المحكمة أن تفصل في مسألة صحة أو مضمون مركز
قانوني معين دون أن يكون ثمة ضرر حال قد حاق بالمدعي و لكن من المحتمل وقوعه. أما
إذا كان الضرر سيقع في المستقبل و يوجد ما يؤكد ذلك كانت قائمة و حالة. و مثال ذلك
ان يزعم وارث أن الوصية التي صدرت عن مورثه بها شرط باطل، فيكون للموصي له مصلحة
في أن يستصدر حكماً بصحة هذا الشرط، توطئه لاستخدام هذا الحكم في دفع ادعاءات خصمه
و دون الانتظار حتى يرفع الأخير دعوى الإبطال.
و
تقدم هذه الدعاوى فائدة لمستخدمها لأنها تعطيه يقيناً حالاً و فورياً و لكن قبولها
قد يصطدم مع المبدأ الأصلي وهو أن تكون المصلحة قائمة و حالة. و لذلك فإن التوسع
في قبول هذه الدعاوى بلا قيود يؤدي إلى ان تكون الطلبات التي تقدم بشأن هذه
الدعاوى طلبات ذات طابع استشاري أكثر من كونها طلبات بالمعنى الدقيق يحسم بها
منازعات قائمة فعلاً. لذلك لا تقبل هذه الدعاوى إلا بناء على نص في القانون يكون
بمثابة السند الذي يسمح بقبول الدعاوى ولو لم تكن المصلحة قائمة و حالة. حيث تقبل
الدعوى استناداً إلى مصلحة مستقبلية حتى ولو كانت احتمالية ولذلك تسمى الدعاوى في
هذه الحالة بالدعاوى الوقائية.
و من المقرر في قضاء محكمة النقض المصرية:
"
أن القانون لا يحدد الدعاوى التى يجوز رفعها ، وإنما يشترط لقبول الدعوى أن تكون
لصاحبها مصلحة قائمة يقرها القانون وتكفى المصلحة المحتملة ، إذا
كان الغرض من طلب الاحتياط لرفع ضرر محقق وقوعه ، أو لاستيثاق لحق زوال دليله عند
النزاع فيه ."
(طعن
بالنقض رقم 19041 لسنة 83 ق تجاري – جلسة 13/2/2020)
يستفاد
من جميع ما تقدم انه يتوجب لقبول الدعوى القائمة على مصلحة محتملة ان يكون لها سند
قانوني . و يمكننا ان نستمد هذا السند من المادة 2 الواردة بقانون المرافعات المدنية و التجارية
الكويتي و المادة 3 من ذات القانون المصري . حيث بعد ان وضع المشرع المبدأ العام
وهو أن تكون المصلحة قائمة ، استدرك قائلاً ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة اذا كان
الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق او الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند
النزاع فيه .
من
المقرر في قضاء محكمة التمييز الكويتية:
"
أن المصلحة هي مناط أي طلب أو دفع ,والمراد بالمصلحة الفائدة العملية التي تعود
على المدعي من الحكم بما يطلبه, وأن مفاد نص المادة الثانية من قانون المرافعات
المدنية والتجارية أن المصلحة التي يعتد بها لقبول الدعوى والطلبات فيها هي
المصلحة القانونية التي تستند الي حق أو مركز قانوني, فيكون الغرض من الدعوى أو
الطلب أو الدفع حماية هذا الحق بتقريره عند النزاع أو دفع العدوان الواقع عليه أو
تعويض ما لحق به من ضرر من جراء ذلك, ويستوى أن تكون المصلحة مادية أو أدبيه,
ويكفي المصلحة المحتملة ولو كانت شبهة حق إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع
ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخش زوال دليله عند النزاع."
(طعن
بالتمييز رقم 745 لسنة 2011 تجاري – جلسة 14/6/2012 )
كما
نجد هذا السند في بعض النصوص التي وردت في بعض القوانين الخاصة كقانون الاثبات في
المواد المدنية و التجارية و التي تعد تطبيقاً للنص العام الوارد في قانون
المرافعات .
و
يمكن رد هذه الحالات إلى فكرتين الأولى هي دعاوى الأدلة و الثانية هي الدعاوى
الوقائية و ان كان يجمعها مصطلح واحد هو الدعاوى الوقائية بمعناه الواسع .
و
لكن لا يسعنا أن نتطرق إليهما في هذا المقال منعاً للإطالة على القارئ و سنتطرق
لهما في المقال اللاحق و نكتفي في هذا المقال بتعريف المصلحة و شروطها و خصائصها و
نؤكد أن المصلحة هي من أهم شروط قبول الدعوى.
تعليقات
إرسال تعليق