الواقعة
محل الاثبات:
يرد
الاثبات على واقعة معينة تكون هي محل الاثبات، وعلى من يدعي توافرها إقامة الدليل
على ذلك، و محل الاثبات قد ينشأ عن تصرف قانوني كالتسليم في عقد البيع ، فتكون
الواقعة محل الاثبات هي الوفاء بهذا الالتزام الناشئ عن العقد مما يوجب على
طرفي العقد إقامة الدليل على تسليم المبيع ، حيث يتوجب على كلا الطرفين الالتزام
بعقد البيع و تنفيذ أحكامه، فلا تبرأ ذمة كل منهما إلا إذا قدم الدليل على انه قد
قام بتنفيذ ما التزم به طبقاً لقواعد الاثبات المتعلقة بالتصرفات القانونية.
و
من المقرر في قضاء محكمة التمييز الكويتية:
"
أن الالتزام ذاته لا يكون محلا
للإثبات بل هو يستخلص من مصدره و هو الواقعة القانونية التي تكون محلا للإثبات ،
فمن ثم كان علي من يدعي قيام الكفالة التجارية أن يثبت مصدر الالتزام بها و هو عقد
الكفالة . و كان قيام الكفالة أو نفيها من سائل الواقع التي تستقل بها محكمة
الموضوع بغير معقب ، و حسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها في هذا الخصوص ، و
أن تقيم قضاءها علي أسباب سائغة تكفي لحمله."
(طعن رقم 236 لسنة 1985
تجاري – جلسة 2/7/1986)
و
قد يكون محل الاثبات ناشئاً عن واقعة مادية كالسب و القذف و غصب الحيازة و العمل
غير المشروع أو ما يعرف بالجريمة المدنية وفقاً لقول الدكتور عبدالرازق السنهوري.
و الواقعة المادية لا يكفي تحققها و إنما يجب إقامة الدليل على أن المدعى عليه هو
المسئول عنها، و حيث ان هذه الوقائع لم تنشأ عن تلاقي إرادة الطرفين (المسئول-
المضرور) وهو ما يمنع وجود دليل مسبق على نحو مغاير للتصرف القانوني لذلك فإن الواقعة
المادية يجوز اثباتها بكافة طرق الاثبات.
شروط
محل الاثبات:
بداية
و قبل الخوض في الحديث عن هذه الشروط فإنه ينبغي ان نشير إلى الفرق الجوهري بين
شروط محل الاثبات و شروط طرق الاثبات. فكون القانون يجيز الاثبات بالشهادة أو لا
يجيز ذلك فهذه مسألة تتعلق بطرق الاثبات الجائز قبولها. أما اذا كان القانون لا
يجيز اثبات واقعة معينة لاعتبارات تتعلق بالنظام العام، أو لأنها غير منتجة في
الدعوى فهذه مسألة تتعلق بشروط محل الاثبات وهي شروط إذا لم تتوافر لا يجوز اثبات الواقعة
ولو كانت الطريقة المستخدمة في اثباتها كالكتابة مقبولة قانوناً.
و
شروط محل الاثبات هي أن تكون الواقعة المراد اثباتها واقعة محددة و غير مستحيلة و
متنازع فيها وهذه شروط مستمدة من الطبيعة الازمة لمحل الثبات و بجانب هذه الشروط
يجب ان تكون الواقعة متعلقة بالدعوى منتجة فيها من الجائز اثباتها وهذه شروط ثلاثة
جرى عليها العمل ونص عليها قانون الاثبات بالمادة الثانية منه بقوله:
" يجب
ان تكون الوقائع المراد اثباتها متعلقة بالدعوى ، ومنتجة فيها ، وجائز قبولها."
و تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية:
" يجب أن يتوافر في الواقعة محل الإثبات
, عدة شروط بعضها يقتضيه نظام الإثبات القضائي , هي أن تكون الواقعة متنازعاً فيها
, وأن تكون محددة , والآخر يستلزمه القانون , هي أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى
, وجائزة القبول , فإذا خلت الواقعة من النزاع , لا تكون ولا يمكن أن تكون محلاً
له , ويجب على القاضي اعتبارها ثابتة , ويكفى لاعتبارها كذلك - ولا يجوز تبعاً
لهذا تكليف المدعى بإقامة الدليل عليها – عدم المنازعة فيها ولا يستلزم إقرار
المدعى عليه , أو اعترافه بها , بل يكفى سكوته رغم أن قضاء محكمة النقض يوجب
لإعفاء الخصم من إثبات الواقعة اعتراف خصمه بها ولا يكتفى بسكوته أو عدم منازعته
فيه" .
(طعن بالنقض رقم 15043 لسنة 76ق تجاري – جلسة 22/3/2011)
و نتطرق إلى هذه الشروط على النحو الآتي
بيانه:
1 – يجب ان تكون الواقعة محددة.
شرط ان تكون الواقعة محل الاثبات محدد هو شرط
طبيعي ومنطقي فالإثبات شأنه مثل أي نشاط انساني يجب ان يرد على شيء محدد فمن يدعي
انه دائن لشخص آخر يجب عليه ان يحدد الواقعة التي نشأ عنها هذا الدين سواء كانت
تصرف قانوني أو واقعة مادية.
و الواقعة يمكن أن تكون محددة سواء كانت إيجابية
كوجود شيء معين أو القيام بعمل معين أو سلبية كالامتناع عن عمل معين.
2 – يجب ان تكون الواقعة ممكنة.
الواقعة المستحيلة لا يقبل اثباتها فهذا عبث
لا يجوز التمسك به أمام القضاء ، و الاستحالة ترجع إما إلى أن الواقعة لا يمكن
تصديقها عقلاً أو ان الواقعة محل الاثبات مطلقة و من قبيل الوقائع المطلقة التي لا
يمكن اثباتها أن يدعي شخص انه لم يرتكب خطأ في حق أي انسان آخر فهذه واقعة سلبية
مطلقة لا يمكن اثباتها و لا فرق بين الواقعة المطلقة الإيجابية او السلبية فكلاهما
لا يقبل اثباتهما أمام القضاء.
3 – يجب ان تكون الواقعة متنازعاً فيها.
الواقعة لا تكون محلاً للإثبات القضائي إلا
اذا كانت موضع نزاع بين خصمين فإذا ادعى
خصم بواقعة معينة و أقره خصمه على هذا الادعاء فإنه لا يكون هناك محل لإثبات هذه
الواقعة فالاعتراف بالواقعة هو اعفاء لمن يدعيها عبء الاثبات وهو يجعل هذه الواقعة
ثابتة في حق المقر وحده دون غيره من الناس.
4 – يجب ان تكون الواقعة متعلقة بالدعوى.
يجب ان تكون الواقعة محل الاثبات متعلقة
بالدعوى أي متعلقة بالحق المدعى به ، فإذا كانت الواقعة محل الاثبات هي مصدر الحق المدعى
به فإنه بلا شك مقبولة فلا توجد علاقة أقوى من الحق و مصدره. و لكن الاثبات لا يرد
دائماً على مصدر الحق بل قد ينتقل محل الاثبات إلى واقعة أخرى يستهدف المدعي اثباتها لأنها متصلة بمحل الاثبات الأصلي وهو
مصدر الحق ذاته ، وتعتبر الواقعة قريبة و متصلة بمحل الاثبات مصدر الحق إذا كان من
شأن اثباتها ان يقتنع القاضي بوجود مصدر الحق و بالتالي وجود الحق ذاته و اقتناع
القاضي على هذا النحو يتحقق اذا كانت الواقعة المراد اثباتها تجعل الحق المدعى به
قريب الاحتمال.
5 – يجب ان تكون الواقعة منتجة في الدعوى.
يجب ان تكون الواقعة منتجة في الدعوى إذا كان
اثباتها يؤدي بطريقة حاسمة إلى اقتناع القاضي بصحة الحق المدعى به و يتحقق ذلك بصفة خاصة اذا كانت هذه الواقعة هي
مصدر الحق ذاته كما يتحقق أيضاً إذا لم تكن هذه الواقعة هي مصدر الحق بل كانت
واقعة أخرى انتقل إليها محل الاثبات ومع ذلك فإن اثباتها يؤدي إلى اثبات مصدر الحق
و بالتالي تدعو القاضي إلى إصدار حكمه في النزاع.
6 – يجب ان تكون الواقعة جائزة الاثبات
قانوناً.
تكون الواقعة غير جائزة الاثبات قانوناً إما
لاعتبارات أخلاقية أو لاعتبارات تتعلق بالصياغة الفنية. و من قبيل الاعتبارات الأخلاقية
عدم جواز افشاء اسرار المهنة. أما اعتبارات الصياغة الفنية التي لا تجيز اثبات الواقعة فمثلها أن ينص
القانون على قرينة قانونية قاطعة لا تقبل اثبات العكس كالقرينة المستمدة من حجية الشيء
المحكوم به .
و من المقرر في قضاء محكمة النقض المصرية:
" يشترط في الواقعة محل الإثبات
أن تكون جائزة القبول و ليست مما يحرم القانون إثباتها لأغراض مختلفة ، و حظر
الإثبات إذا كان منطويا على إفشاء لأسرار المهنة أو الوظيفة . لا يتعلق بواقعه
يحرم إثباتها ، و إنما يتعلق بدليل لا يجوز قبوله في صورة معينة ، بمعنى أن عدم
جواز القبول لا ينصب على الواقعة في حد ذاتها ، و بحيث تكون الواقعة التي يقف
عليها الشخص بسبب وظيفته أو مهنته جائزة القبول و لكن لا يجوز إثباتها بشهادته" .
(طعن بالنقض رقم 674 لسنة
46 ق إيجارات- جلسة 28/2/1979)
تعليقات
إرسال تعليق