سبق و ان تناولنا بالتفصيل أركان جريمة الفعل الفاضح العلني و غالباً ما تتداخل هذه الجريمة مع جريمة هتك العرض أو الشروع فيه بحيث
يصعب التمييز بينهما ، و تكون هذه الصعوبة في الأفعال التي تقع على جسم الغير بغير
رضائه كأن يقوم الجاني برفع ثوب امرأة أو يحاول تقبيلها فما هي الحدود الفارقة بين
جريمة الفعل الفاضح العلني الذي يستطيل إلى جسم الغير بغير رضائه و بين جريمة هتك
العرض أو الشروع فيه؟
و لبيان هذه الحدود هناك ضرورة ملحة تفرض علينا التعرض
للركن المادي لكلا الجريمتين.
حيث ان الركن المادي لجريمة الفعل الفاضح العلني هي : كل فعل مادي يقع من قبل الجاني سواء كان حركة أو
إشارة أو موقف يكون من شأنه الإخلال بالحياء العام.
بينما
عرفت محكمة النقض المصرية الركن المادي لجريمة هتك العرض في أحكامها على النحو
الآتي :
"
من المقرر أن الفعل المادي في جريمة هتك العرض يتحقق بأي فعل مخل بالحياء العرضي
للمجني عليها ويستطيل إلى جسمها ويخدش عاطفة الحياء عندها من هذه الناحية ، ولا
يلزم الكشف عن عورتها بل يكفي لتوافر هذا الركن أن يكون الفعل الواقع على جسمها قد
بلغ من الفحش والإخلال بالحياء العرضي درجة تسوغ اعتباره هتك عرض سواء كان بلوغه
هذه الدرجة قد تحقق عن طريق الكشف عن عورة من عورات المجني عليها أم عن غير هذا
الطريق ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة
الجاني إلى الفعل ونتيجته ، ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو بالغرض
الذي توخاه منها ، كما أنه يكفي لتوافر ركن القوة في هذه الجريمة أن يكون الفعل قد
ارتكب ضد إرادة المجني عليها وبغير رضائها "
(طعن
بالنقض رقم 17877 لسنة 88 ق جنائي – جلسة 3/4/2021)
ترتيباً
على ذلك فإننا نستنتج من هذا التعريف انه قد حدد أفعال هتك العرض بأنها:
كل
فعل يقع على موضع عورة من جسم المجني عليه، وكل فعل لا يقع على موضع عورة و لكنه
على درجة كبيرة من الفحش و الإخلال بالحياء العرضي.
وبالتالي
يمكن حصر جريمة الفعل الفاضح الذي يقع على جسم المجني عليه بغير رضائه بالأفعال
التي تقع على موضع لا تعد عورة من جسم الإنسان و لا تبلغ درجة كبيرة من الفحش.
و
في حكم قديم لمحكمة النقض المصرية العريقة أكدت التفرقة بين الجريمتين على النحو
الآتي بيانه:
"
إن الفارق بين جريمتي هتك العرض و الفعل الفاضح لا يمكن وجوده لا في مجرد مادية
الفعل و لا في جسامته ، و لا في العنصر المعنوي و هو العمد ، و لا في كون الفعل
بطبيعته واضح الإخلال بالحياء . إنما يقوم الفارق بين الجريمتين على أساس ما إذا
كان الفعل الذى وقع يخدش عاطفة الحياء العرضي للمجنى عليه من ناحية المساس بعوراته
- تلك العورات التي لا يجوز العبث بحرمتها و التى لا يدخر أي امرئ وسعاً في صونها
عما قل أو جل من الأفعال التي تمسها . فإن كان الفعل كذلك اعتبر هتك عرض و إلا فلا
يعتبر. و بناء على هذا يكون من قبيل هتك العرض كل فعل عمد مخل بالحياء يستطيل إلى
جسم المرء و عوراته و يخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية . أما الفعل العمد
المخل بالحياء الذى يخدش في المجنى عليه حياء العين و الأذن ليس إلا هو فعل فاضح .
(طعن
بالنقض رقم 1737 لسنة 45ق جنائي – جلسة 22/11/1928)
و
لكن الأمر يزداد صعوبة إذا واجهتنا جريمة الشروع في هتك العرض فكيف يمكن لنا
التمييز بين الأفعال الفاضحة التي يأتيها الجاني على جسم الغير بغير رضائه و بين
الشروع في جريمة هتك العرض ؟
و
معيار التفرق في هذه الحالة هو قصد الجاني من إتيان تلك الأفعال.
و
من قضاء محكمة النقص المصرية:
"
إنه و إن كان الركن المادي في جريمة هتك العرض لا يتحقق إلا بوقوع فعل مخل بالحياء
العرضى للمجنى عليه يستطيل إلى جسمه فيصيب عورة من عوراته و يخدش عاطفة الحياء
عنده من هذه الناحية ، إلا أنه متى ارتكب الجاني أفعالاً لا تبلغ درجة الجسامة
التى تسوغ عدها من قبيل هتك العرض التام ، فإن ذلك يقتضى تقصى قصد الجاني من ارتكابها
، فإذا كان قصده قد انصرف إلى ما وقع منه فقط فالفعل قد لا يخرج عن دائرة الفعل
الفاضح ، أما إذا كانت تلك الأفعال قد ارتكبت بقصد التوغل في أعمال الفحش فإن ما
وقع منه يعد بدءاً في تنفيذ جريمة هتك العرض وفقاً للقواعد العامة و لو كانت هذه
الأفعال في ذاتها غير منافية للآداب . و إذ كان لا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ
الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفى لاعتباره
شارعاً في ارتكاب جريمة أن يأتي فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادي لها و مؤدياً
إليه حالاً ، و كان الثابت في الحكم أن المطعون ضده الأول قد استدرج الغلام المجنى
عليه إلى منزل المطعون ضده الثاني و أنهما راوداه عن نفسه فلم يستجب لتحقيق
رغبتهما ، و عندئذ أمسك المطعون ضده الأول بلباسه محاولاً عبثاً إنزاله - بعد أن
خلع هو " بنطلونه " - و أقبل المطعون ضده الثاني الذى كان متوارياً في
حجرة أخرى يرقب ما يحدث و أمسك بالمجنى عليه و قبله في وجهه ، فإن الحكم المطعون
فيه إذ لم يعن بالبحث في مقصد المطعون ضدهما من إتيان هذه الأفعال و هل كان من
شأنها أن تؤدى بهما حالاً و مباشرة إلى تحقيق قصدهما من العبث يعرض المجنى عليه ،
يكون فضلاً من خطئه في تطبيق القانون معيباً بالقصور في التسبيب بما يوجب نقضه و
الإحالة .
(طعن
بالنقض رقم 205 لسنة 40 ق جنائي – جلسة 5/4/1970)
و
المستفاد من هذا القضاء فإن أفعال الجاني التي لا يقصد فيها التوغل في الفحش فإن
الجريمة تقف عند حد الفعل الفاضح.
و
بناء عليه فإن الفعل الفاضح يميزه عن غيره من الجرائم بأنه كل فعل في صورة حركة أو
إشارة أو موقف فيه دلالة اجتماعية على ممارسة جنسية يأتيه الجاني على جسمه أو على
جسم الغير سواء برضاء الأخير أو بغير رضائه على موضع ليس بعورة و ليس على درجة
كبيرة من الفحش أو بقصد التوغل فيه.
تعليقات
إرسال تعليق